ماجد شاهين
لا أحد يستطيع أن يسلب منك مواعيدك الأثيرة ، وكلّ ما ينبغي أن تفعله وتحرص عليه : أن تنتقي أوقات مواعيدك و وردها و عطرها !
والأكثر قيمة في المسألة : أن تكون مستعدا ً لكي تدندن " كلمات ٍ عذبة " قد يبعثها إليك طير أو ترميها أوراق شجر !
والأكثر إبهاجا ً أن ترمي إليك صديقة عذبة طرف شالها وفيه أغنية من مثل " الأطلال " !
المواعيد أوقات مجاورة للنبض ، فــ َ احرصوا على أن لا يصيبها عطب أو تتوه أوقاتها .
في العام المدرسيّ 1975/ 1976 ، كنت طالبا ً في التوجيهي بمدرسة مادبا الثانوية ، ولم يكن في مادبا مدرسة ثانوية للبنين سواها ، وكنّا في بدايات الشوق الخجول والانفلات الخجول والرقـّة الطازجة التي تفيض من العينين .
حصلت على كتاب "الأطلال" وفيه القصيدة الطويلة جدا ً للطبيب الشاعر الرائع إبراهيم ناجي ، حفظت الأغنية كاملة ، وهي أجزاء من القصيدة الأصليّة "، واعتنيت بها وكأنها واجب دراسي ّ .
في اللغة العربيّة، كان معلمنا الطيب الأستاذ محمد أبو ارقيّق على موعد مع حصّة النصوص وكان النص المقرّر في الكتاب : قصيدة الأطلال و تختلف قليلا ً عن النص ّ في الأغنية الأشهر التي غنتها " أم كلثوم " ولحنّها السنباطي الكبير .
دخل الأستاذ إلى غرفة الصف ّ ، وطلب إلي ّ أن أقرأ نص القصيدة من الكتاب ، بدأت القراءة ثم جاءت لحظة التيه والتجلّي ربّما ، فخرجت عن النص المرسوم وأخذت أغنّي كما كانت تغني أم كلثوم ، و تجاوب كثير من زملائي الطلبة و صارت غرفة الصف ّ مسرحا ً لغناء كبير والمقاعد صارت أدوات إيقاع.
المعلم الرائع غضب وتفاجأ بما فعلته ، لأن ّ الفكرة العامة عني كانت تشير إلى هدوء و متابعة و اتزان .
..
أسكتني المعلّم ، وأخرجني من غرفة الصف ، وبعد عشر دقائق انتهت الحصّة ، فخرج الطلاب والمعلم و رأيته يضحك بصمته المعهود ، وقال : أنتم شياطين ...
كان أمرا ً غريبا ً ومستَهجَنا ً أن يظهر الشاب موهبة أو يغرّد خارج سربه في لحظة لهو بريء .
المعلّم رغم وقاره و اتزانه الكبير وصرامته ، لم يذهب بعيدا ً في الغضب ، والطلبة أظهروا رغبة في تغيير الأجواء الصارمة و ظهر منهم من يحب ّ الطرب بشكل كبير .
اعتذرت لمعلّمي بشكل واضح وضحكنا كثيرا ً .
كان ذلك في زمن انقضى ، أمّا اليوم فلا شيء مستهجنا ً .
لكنهم لا يحبّون أغنياتنا .
*مقالة خاصة بتنوير الأردن